كنت في إحدى المستشفيات الحكومية مع أمي عندما لمحت عيناي تلك المرأة التي نظرت إلي بنظرات واثقة و كأنها تعرفني عز المعرفة...أقبلت إلي تلك المرأة ذات الملابس السوداء الرثة ويعلو وجهها ابتسامة عريضة.... و هي في طريقها إلي، جال في خاطري عشرات الأفكار خلال تلك اللحظات فقط.... أتبتسم لي لأني كنت أنوي التبسم لها؟؟ أم أن هناك أمر آخر لا أدركه؟؟؟ لماذا أشعر ان وجهها مألوف؟ بالتأكيد لا أعرفها و لم أرها في حياتي!! فمن أين لي أن أعرفها من الأساس؟؟ هي لا تشبه أيا من الخادمات الذين أتوا لتنظيف بيتنا يوما ما.... و هي أيضا لا تشبه أيا من عاملات النظافة الذين رأيتهم في عملي السابق في المدارس.... وهي بالتأكيد ليست متسولة!!! فهي متوجهة نحوي أنا فقط بكل ثقة... و تلك ليست طريقة المتسولين على الأقل!!! دارت كل تلك الأفكار و أكثر منها في ذهني خلال تلك اللحظات التي اقتربت فيها مني هي و ابنتها الصغيرة... و قطعت تفكيري بسؤالها الذي صاحبته ابتسامة البسطاء التي أعشقها بالفعل
قالت: إزيك يا حبيبتي؟
فكان ردي على سؤالها بكل بساطة الحمدلله ازاي حضرتك، و قد ظهر على ملامحي الخجل الذي كنت أحاول إخفاءه منذ رأيتها لأني أحاول تذكر تلك الملامح و ربطها بأي شيء من الماضي إلا أني فشلت
وقفت أمامنا السيدة و ابنتها و هي تبتسم لي، و سرعان ما بدأت في سؤالي عن أخباري!! و عن السبب الذي دفعني للقدوم إلى المستشفى ذلك اليوم..... حتى أن أمي اندهشت و بدأت في حوار صامت معي دار بيننا دون أن نتحدث إلا بلغة الأعين.. ووجدتني أبتسم و لا أستطيع إخفاء ما بداخلي لأكثر من ذلك، فإذا بها تتدارك ما يحدث بداخلي فابتسمت و قالت : أنا بفتكركم كتير أوي ومش بنساكم أبدا.. أنا كنت في المعرض أنا و البنت.... و في تلك اللحظة أشرقت عيناي.. فلقد تذكرت ذلك الوجه أخيرا!! هي تتحدث عن معرض الملابس الخيري... ياالله!!! تلك هي من أجمل أيام حياتي حينما يقام معرض خيري للفقراء و يكون باستطاعتي الذهاب
غمرني شعور بالسعادة بتلك اللحظة لم أكن أتخيله يوما..... فلقد دهشت كيف مازالت تتذكرني؟ ربما تلاقينا منذ بضع شهور لكن... هل بالفعل تتذكر كل من شارك بالمعرض؟ و يااااااا الله!! هي تتذكرنا بالدعاء؟؟ كيف لي أن أشعر بالحزن إذا ما رزقني الله برسالة كهذه؟!! كم أنا غبية لأشعر بالضيق و الحزن... و كم أنا حمقاء بالفعل للوقت الذي أضعته و لم أساعد من حولي
إذا كانت تتذكرنا بتلك الطريقة و هي لم تر أيا منا إلا يومين أو ثلاثة بالمعرض... و نحن لم نساعدها بشيء في الحقيقة!! فهو مجرد معرض ملابس خيري و هي تشتري ما تحب
تلك اللحظة فقط بادرتها بالسؤال عنها و عن ابنتها و أحوالها... فأدركت أني الآن أعرفها فأضافت " سلميلي أوي أوي أوي على د. دينا... ربنا يحميها أنا بفتكرها وبدعيلها كتير أوي البنت دي"، و ابتسمت لي
الواقع أن "دينا" ليست طبيبة :) و لكن جميع المتطوعين بالمعرض كان يتم الحديث معهم على أنهم أطباء أو مهندسين :) و لا شيء آخر
ابتسمت ووعدتها بأن أوصل رسالتها إلى صديقتي، و هنا تذكرت ما يميز صديقتي تلك عن الجميع... فهي من أكثر الناس حبورا و بشاشة طوال الوقت، و مهما واجهت من ضغوطات في المعرض... دائما تعلو وجهها ابتسامة ساحرة تزيدها جمالا
سعدت لاستنتاجي ذلك السر الذي جعلها لا تنسى في نظر بعض الأشخاص التي ربما لن نراهم مرة أخرى في حياتنا
...........................
بعد دقائق من الحديث المتداول بين العديدين ممن كانوا في انتظار الطبيب، أخرجت السيدة قطعة حلوى لابنتها الصغيرة، و هنا التفتت إلي و كأنها تذكرت شيئا هاما فجأة، و ابتسمت و هي تقول: فاكرين لما كنتوا بتدوا العيال الصغيرين بونبوني في المعرض؟
ياالله!!! تلك السيدة غيرت من يومي كثيرا... أيقظتني ربما من سبات عميق كنت أحاول الاستيقاظ منه لكني لم أكن أملك القوة الكافية... ربما كانت رسالة من ربي لأتذكرمذاق مساعدة الآخرين... لأتذكر أن أحيانا نقوم بأشياء بسيطة جدا، ربما لا قيمة لها أبدا في نظرنا... لكنها تشكل فرقا كبيرا لآخرين، و ربما تغير مسار حياتهم أحيانا
نعم هو نشاط خيري أحبه لأسباب كثيرة .. منها الثواب و منها تمتعي برؤية الفرحة في أعين الآخرين...إلخ..... إلا أني يوما لم أفكر في أن أحدهم سيتذكرنا حتى بعد شهور من غيابنا عن حياتهم، تلك فعلا حقيقة أسعدتني
الحمــدللـه